حسين…شاب…يكبرني بسنتنين….
أسمر اللون….تعرفت عليه حينما كنت في الصف الثاني الاعدادي…يكبرني بسنتين الا انه رسب مرتين…
اشتهر عنه بأنه طالب (خايب)…
حسين شاب طيب القلب….فيه من صفات الاسلام…خلق طيب…وإغاثة الملهوف…ونجدة المحتاج…
هو شاب فقيــر…
يعمل أبوه في قهوة (قهوجي)….
يقدم للزبائن القهوة..الشاي…الشيشة…وأحياناً الحشيش إذا لزم الأمر….
لذا كان من المفارقات الغريبة…أن يصبح هذا الشاب..وبهذه الظروف …صديقاً لمثلي …
كنت مشتهراً بالذكاء ..وبختم القرآن في سن الحادية عشر…والأول دائماً على المعهد الأزهري الذي كنت أدرس به….وبعرف الناس…يعتبر والدي من كبار رجالات البلدة الريفية…-أنا هنا لا أتفاخر بما ذكرت..فأنا من تراب..ولا أتميز عن حسين أو غيره إلا بعملي….
لكنني أتحدث عن مشيئة الله-سبحانه وتعالى-…
التي أراد بها…أن يكون هذا الأخ…من أعز أصدقائي….
وبالرغم من سني الصغير..إلا أنني كان لدي موهبة الدعوة….ورزقت حبها….
فبدأت أحادثه عن الصلوات…حتى حينما كنا نلعب الكرة..كنت أترك المجال…وأذهب للصلاة إذا ما أذنت…ولا يمانع أبداً إذا أخذته معي…
ولا شك أن معرفتي به…-خاصة في سن صغيرة وخطرة كتلك- ..أثرت جداً في نظرتي للعصاة…
ورسخت في وجداني معنى القرب من العصاة…وضرورته القصوى…
وأعترف أنني ارتكبت في هذا المنوال أخطاءاً ما كان ينبغي أن تحدث….كمثل زياراتي المتكررة له في وقت الظهيرة في مكان عمله-القهوة-…ليس لشئ إلا حبا في أن أنتشله من أصدقاء السوء المحيطين به….
في أحد الأيام…كنت معى أخ لي…ومررنا بجوار بيته…فقلت للأخ…هلم بنا لنزوره….وكانت هذه هي المرة الأولى التي أدخل فيها بيته…
وليس كما كنت أتصور…فكنت(كصبي في الثانية عشر من عمره) أرسم بيته ..متجر مخدرات..أو محل سجائر..أو ما شابه…
فوجدت .. آيات القرآن الكريم على الحائط…مثلهم كمثل معظم بيوت المسلمين....البسيطة…وجهاز الراديو على إذاعة القرآن الكــريم…
وأم مسكينة..وبيت بسيط …ومسلمون فقراء……وأخت تكبرنا بحوالي عشر سنوات…تزوجت منذ ما يقارب السبع سنوات….
أما أبوه…فهو رجل بسيط جداً…. يرتدي بنطالاً جاكيت…وعمة على راسه تقيه القر…
ليس كما تخيلته….فكنت أتصوره رجل ضخم..بأشناب كبيرة…وصوت جهوري…وعين حمراء وما شابه….
ومن أول مرة..عرفت البساطة الشديد التي كان يعيشها هؤلاء…
أما أخوه الأكبر..واسمه محمود..معه دبلوم صنايع….يعمل حداداً في إحدى الدول العربية….
والتالي له واسمه محمد..وهذا كان الأكثر تشرداً فيهم…من حيث سب الدين…وشرب المخدرات..والسجائر…
ومصاحبة الفتيات…ومشاهدة الأفلام الخليعة وغير الخليعة-والأصل أن الكل خليع- وسماع الأغاني..والألفاظ البذيئة…-أسأل الله أن يهديه-…..
أيها الأحباب….وأيها الآباء….أقول لكم..إن الله-عزوجل- من علي بأن حماني من التأثر بأخلاق أصدقاء حسين..وطبائعهم…ولكن لينتبه الكل..أنه لا يصح أبداً..أن يترك الأب ابنه الصغير..ليختلط بهؤلاء…فالغالب التأثر بما هم عليه…والسير معهم في الطريق الطالح….
وأنا أقول لكم..إنني لم أكن أخبر أحداً من أهل البيت بأنني أًصادق هؤلاء…اللهم إلا بعض من يكبرونني من بعض الاخوة في جماعة الاخوان المسلمين لأستفيد منهم…
ومرت السنوات….وكما يقال أكلنا عيش وملح..وافترقنا في الثانوية فقد التحق هو بالقسم الادبي وانا بالقسم العلمي..ولا أخفيكم قولا إنه كان يريد أن يدخل القسم العلمي…لكي يكون دائما معي….
(أصلي كنت باملي العيال في الامتحانات L ) بس عشان ينجحوا..قبل أن أعرف الحكم في موضوع الغش هذا...
في الصف الأول الثانوي...حدثت مشاجرة بيني وبين أحد الطلاب في الصف الرابع الثانوي العلمي....
وأخذ الطلاب الكبار يتوعدوننا بعد نهاية اليوم الدراسي....وفي نهايته...وبعد الخروج من بوابة المعهد...وجدت جيشاً كبيراً من الطلبة بانتظارنا للوقوف بجانبنا..تجاه المعتدين من طلاب الصف الرابع الثانوي..وعلمت فيما بعد أن الذين أعد العدة..هو الأخ حسين ...(ابتسامة)
والمواقف كثيرة ..بيننا...كنت دائماً أحذره من مصاحبة الشباب الغير منضبط..وكان بالفعل يحاول..إلا أن ظروف عمله كـ (قهوجي) كانت تلزمه بالتعامل مع هؤلاء.....
وتمر الأيام ..ويفترق الصديقان...ألتحق بكلية الطب..وهو يرسب سنة ثالثة في القسم الأدبي...
ثم يموت والده -رحمه الله-.....ويحزن الولد كثيراً....وكان هو أكثر الخاسرين بموت والده...
لأنه المتحمل الأول والأخير للمسئولية في البيت...
فمحمد ومحمود كل منهما في طريق...وحسن الأصغر منه بسنة...لا يهمه الأمر كثيراً...
أما هو ..فكان دائماً يؤدي متطلبات البيت ويلبي احتياجاتهم....
دفن أبوه وكان يبكي كثيراً...وما علمت إلا بعدها بأشهر....
وبعد أن من الله علي بالسنة في المظهر من حيث اللحية...
رآني عندما زرت بلدتي القديمة...فهابني...إلا أنني أقبلت عليه واحتضنته...ثم دعاني إلى خطبته قائلاً :
(هتيجي يا دكتور..ولا انت خلاص؟؟؟)....
فنظرت إلى عينيه معاتباً...بحزم..وقلت له بنظراتي..: ما كان ينبغي لك أن تقول ذلك...
فابتسم وطأطأ رأسه ....
ولما مات أبي..بعد أبيه بحوالي ثلاث سنوات....كنت أنظر فإذا به من أوائل المتواجدين...بجواري...وأنا الطبيب الملتحي..وهو (القهوجي المظلوم).....
كنا دائما نتبادل الاتصالات....
وكنت كلما زرت بلدتي...مررت على بيته..وأسأل عنه...فلا أجده.....
وكان الكل هناك لا يعرفني....بل وكلهم يستغربون...ويتبادل الجميع (في حارتهم ) النظر إلي...خاصة السيدات كبيرات السن....
وتدور التساؤلات بين أعينهم...
من هذا الملتحي؟؟؟ وماذا يريد من حسين؟؟؟
....مرت حتى الآن ثلاث سنوات...ما قابلت فيه أخي حسين هذا.....
وكلما سألت عنه..قالوا لي إنه منذ شهور طويلة..وقد سافر إلى ليبيا ليعمل هناك....
مانته عارف ظروف البلد يا شيـــخ.........
=============
أنا أعرف أنه لا يوجد أحداث مثيرة في القصة التي رويتها...
ولكن المثير فيها حق....
هي مشاعر الحزن التي أشعر بها..
كلما تذكرت أنه من المؤكد أن هناك آلاف..بل ملايين الشباب المصري..
مثل حسين..أو ربما أكثر بؤسا منه
هم يحتاجون فقط..لمن يمد لهم يد العون..وينقذهم من الطريق الطالح الذي ساروا عليه لا باختيارهم....ولكن بما وجدوا عليه آباءهم..وما ألفوه من العيش....
ملايين الشباب قلوبهم صافية....
لم تتنجس حتى الآن بقذارة النفاق العقدي....
ولا برجس العمالة للكفار....
ولا بدنس كره الدين والملتزمين....
فقــط هم أصحاب معاصي(دون الشرك)....
كحالي وحال كل من يقرأ....
وكحال المسلمين عامة....
لا أٌولها تقليلا من أثر الذنوب ...
أو تجرءاً على الخالق المعبود...
ولكــن تنشيطا للنفوس...
وتذكيراً لفضل الله علينا...
بأن من علينا وجعلنا...ممن يحاربون في جبهات متقدمة في وجه المد العقدي الفاسد....
علمني هذا الموقف أمرين هامين....جداً....
أولهما: أنني عرفت أنه بداخل كل إنسان شرير عاص....
قلب أبيض بداخل تابوت أسود قديم عفــن...
والداعية عليه أن ينفض عن هذا التابوت ذاك العفــن..
وأن يتخير مفتاحاً مناسبا يفتح به هذا التابوت..ليخرج به هذا القلب الابيض إلى مجتمعنا الاسلامي...
لينبض بحب الله وحب رسول الله...وحب الدين والغيرة عليه....
ثانيهما: أنني استطعت في دراستي لهذا الموقف من حياتي أن أفرق بين من يقول :
يعصي الله وهو يتمنى أن يتوب...فهو يترك الصلاة..ولا يرفصها...ويترك الصوم ولا يرفضه....وقد يسرق..ولكنه لا يستحله....ويؤمن إيمانا كاملا بأن ما شرع الله من الحدود والأوامر هو أصح شئ
وبين من ينافق ويعلن برفضه للدين..وبمحاربته للمسلمين..وبلمزه للدعاة المصلحين
فالأول مسلم.....بلا شبهة....
والثاني ...كافر بلا شبهة..وهو في الدرك الأسفل من النار....تحت اليهود...
أيها الأخوة..لا يفوتني أن أقول إن الفضيل بن عياض كــان (حرامي حجاج)...يسرق أموال الحجيج...
وأنا لا ألأمز ذاك العالم..ولكنني أبين كيف هداه الله.....
نسأل الله أن يهدي حسين ومن على شاكلته..وأن يردهم إلى دينهم مردا جميلا
الخميس، ٣ يناير ٢٠٠٨
أخي حسين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك ١١ تعليقًا:
السلام عليكم
ان القرب من الله غاية يتمناها الكثيرون ولكن ربما ظروف كثيرة تحول بينها وبينهم
ليست ظروف حياتية او مادية او تربية او صبة سيئة
ولكنه القلب الذي بين اصبعين من اصابع الرحمن
وقد يلين القلب في مواقف الابتلاء ويعرف انه ليس له الا الله
وقد لا يتاثر مهما راي وعايش من ابتلاء ومبتلين
اللهم يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك
ولا تجعل تاثرنا بالابتلاء تاثرا وقتيا سرعان ما يزول
آمين
دكتور خالد\قصه مؤثره جدا فعلا
وجميل انك تتذكر اخيك وتسأل عنه لان الحياه تنسي فعلا
وهي دي الدنيا
بس صدقني عمر ماكان المستوي الاجتماعي او البيئه سبب في عدم الالتزام
بس الصداقه صداقه السوء هي دي فعلا الكارثه الكبري وسبب الضياع لاي فرد
يقول الله تعالي
(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداه والعشي ولاتعدوا عيناك عنهم تريد زينه الحياه الدنيا ولاتطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا)
اللهم اعن المسلمين ومن عليهم من فضلك
وجزاكم الله خير
واول تعليق طبعا حقي محفوظ
جزاك الله خيرا
بذرة الإيمان موجودة في القلوب وأحسنت في المقارنة بين من يكره الدين ويتسخط على ربه ويبغض الملتزمين ويبغض العلماء ويسخر منهم
وبين من يعصي ربه وتغلب نفسه وعسلى الله ان يأخذ بناصيته يوما إليه وينفعه أصل إيمانه
أما الآخرون فكما قال الله عزوجل
أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أومرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون
جزاكم الله خيرا يادكتور
كلماتك تؤثر في العاصي قبل المؤمن
واسوء شيء في الوجود صداقة السوء
ولكنها ظروف الحياة المادية والتربية التي يقصر فيها بعض الاباء ويظنون انا الحياة هي التي تربي اولادهم
واخر دعائي اللهم اهدي شباب المسلمين
في كتير كده في مصر وغيرها كمان
احنا بقينا في عالم بيحث عن الظاهر بس
ومش بياخد باله من الباطن
لكن علينا المحاولة دايما اننا نبحث عن نقطا التشابهه اللي بيناوبين الطرف الاخر
وندخل منها
دمت بكل الخير
صدقت يا أستاذة سها...
ونسأل الله الثبات على طريقه
علىفكرة يا جعفري انته ثانيى تعليق
:(
هارد لك :)
واياك يا باشمهندس
والله يا أخي آفاق الحرية
ما أجملكلمتك
ان الاباء يقولوا (نسيب ولادنا للزمن يربيهم)
وهذا في الحقيقة هو تضييع من يعولون..
والله المستعان
الاستاذ ../
صاحب المضيفة
هذا ما فعلته اليوم مع احدالصبية
والحمد لله استجاب لما قلته له :)
بفضل الله وحده
سيادتك بضان نووية
إرسال تعليق