فقـه الخلاف بيــن المدونين

مع اشتداد الخلافات بين المدونين المسلمين....
وارتفاع وتيرته بدرجة لم يعد المسلم الغيور على دينه...أن يحتمل رؤيتها...ويتواكب معها...
تجرؤ البعض من المدونين الذين لم يتربوا على الدين..ولا على حب الدين...ولا على تقديس الدين.... فنجد هؤلاء يعيثون في النت فساداً...
الا انني –وأقسم بالله العظيم على هذا- وجدت في التدوين تحسنا ملحوظا في العلاقات بين الاتجاهات الاسلامية الدعوية المختلفة....وهذا والله ما يثلج الصدور...وان كان هذا مشاهدا على ارض الواقع حقاً...0على الأقل بالنسبة لي- إلا أنني فعلا وجدت هذا التحسن بين المسلمين...وهو ما يتذر بخير في الدنيا...وفي الآخرة إن شاء الله –عزوجل- تحقيقاً..لا تعليقاً...حسنا للظن به –سبحانه-
ولكن لنتلافى المشاحنات والتباغض على امور وسعت السلف...
ولنك كما قال النبي-ص- فيما صح عنه: (وكونوا عباد الله إخواناً)

هنالك قواعد وضعها أهل العلم...باستقراء الأدلة الواردة من الكتاب ومن صحيح السنة ومن أفعال واقوال الصحابة والتابعين في تقسيم الخلاف بين المسلمين...حتى لا يقع أحدنا في المحذور...فاذا اختلف مدون مع آخر في مسألة وكانت من مسائل الخلاف السائغ أو اختلاف التنوع...فتجدهما يبغض كل منهم الآخر ويهجره..وكلاهما في هذا الفعل آثم..من ناحية أن الجهل من كل منهما تسبب في قطيعة...لأن كل منهما يظن أنه هو الذي على الحق...والحق أن الحق قد يكون مع كل منهما...اذا كان الخلاف خلاف تنوع...
او مع أحدهما...ويجهله الاخر اذا كان من الخلاف السائغ....
وباختصار شديد جدا....
يقسم أهل العلم الخلاف إلى نوعين

اختلاف تنوع…
واختلاف تضاد…
وينقسم اختلاف التضاد على نفسه الى قسمين…
ختلاف تضاد سائغ….(ويعبر عنه اختصارا بالخلاف السائغ)
واختلاف تضاد غير سائغ.. ….(ويعبر عنه اختصارا بالخلاف الغير سائغ)

باختصار شديد يا إخوة…

اختلاف التنوع : وهو ما يكون كل الأقوال الواردة فيه صحيحة….فلا ينكر فيه على المخالف…ولا يبدع ولا يفسق ولا يكفر…
أمثلة لاختلاف التنوع….

- الصيغ الواردة في التشهد…أكثر من صيغة…وكلها صحيحة…وإذا أخذت أنت فيها بأحد الأقوال لتعمل به…فلا تنكر أبدا على من يأخذ فيها بالرأي الآخر...
- فالذي يأخذ بالتشهد الوارد عن ابن مسعود...لا ينكر على من يقول بالتشهد الذي ورد عن ابن عباس أو ابن عمر

- مثال آخر…

- القراءات العشر للقرآن الكريم...

- فمثلا الذي تعود على القراءة برواية حفص عن عاصم بن أبي النجود...

- لا يصح له أبدا أن ينكر على الذي يقرأ براوية ورش عن نافع..ولا ينكر الأخير على من يقرأ برواية الدوري عن ابن عمر...ولا ينكر أي منهم على من يقرأ برواية البزي عن ابن كثير....وهكذا...حيث أن القراءات هذه كلها صحيحة...وكلها واردة...فلا ينكر على المخالف فيها.

- ويدخل في هذا النوع من الخلاف ما ورد في قول النبي-ص- للصحابة...(لايصلين أحدكم العصر الا في بني قريظة)...- وهنا خطأ عظيم...حيث يأتي بعض من يدعون العلم...ليستشهدوا بهذا الحديث على أي خلاف يقع بين المسلمين...بدون تحقيق منهم لمناط الدليل

فالمسلمون في زماننا-كما هو الحال في كل زمان-
مختلفون في طريقة خدمتهم لدين الله-عزوجل- فمنهم من يخدم الدين عن طريق الجهاد في سبيل الله ومنهم من يخدمه عن طريق الدعوة والتبليغ...ومنهم من يخدمه عن طريق تقديم المذكرات لاخوانه الطلاب..ومنهم من يخدمه بطريق تقديم الكتالب..ومنهم من يخدمه عن طريق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (كرجال الحسبة) ومنهم من يخدم الدين عن طريق التدوين ومنهم من يخدمه عن طريق الاجتهاد في دراسته.. أو عن طريق تصنيع الفلاشات الدعوية او العمل في القنوات الاسلامية او صنع برامج للكمبيوتر مفيدة...أو اهداء الاشرطة والكتب أو طلب العلم الشرعي ..فمنهم الذي اهتم بعلم العقيدة...ومنهم المهتم بالفقه ومنهم من يهتم بالتفسير ويبرع فيه والنحو وعلوم اللغة ويبدع فيها و.......كل هذا على سبيل المثال لا الحصر ..
فمالم يحضرني ذكره...لا ينقص من قدره علدم ذكري له

فالحاصل..أن اختلاف التنوع هذا مهم جدا جدا...للتكامل بين المسلمين على المستوى الفردي..لتحقيق التكامل على المستوى الجماعي...على مستوى الدعوة الاسلامية

إلا أنه توجد هنالك بعض المحاذير الشرعية والأخطاء التي يقع فيها بعض المسلمين في باب اختلاف التنوع هذا ومنه :

- أن يشتغل بعض المسلمين بأمر ما..يجدونه –بنظرهم- هو الأفضل في مجال خدمة الدين...مع تركهم للواجبات الأخرى التي تمثل الحد الأدنى للالتزام بالاسلام ....
- بمعنى انه لا يصح ان يدخل طالب العلم مثلا...في علم الرجال.أو علم علل الحديث ..وهو بعد لم يتم حفظ القرآن..ولا حتى دراسة عقيدة أهل السنة والجماعة بما يتناسب مع طالب النجاة...
- وأيضا لا ينشغل المسلم بتنفيذ امور دعوية...ويترك بر الوالدين او صلة الارحام
- ولا يشارك المدون –مثلا – في ندوة تدوينية او أخرى ثقافية ..لخدمة الدين..ثم يسم المؤذن يؤذن للصلاة ويجلس في مكانه ليكمل الاستماع للندوة...بلا حراك...
- وهكذا
- المحذور الثاني : وهو أن بعض القيادات في بعض الاتجاهات الاسلامية تربي الافراد المنتمين اليها على تحقير الاعمال والامور والعلوم الاخرى التي ليس لجماعتهم بها اهتمام..وذلك بغرض تحفيز هؤلاء الافراد على تنفيذ ما هو مطلوب منهم...
- ومن الامثلة على ذلك...
- ما رؤي من انكار بعض الناس على طلاب العلم أنهم يقضون حياتهم بين الكتب والكراريس الصفراء التي عفا عليها الزمان....والتي تعود الى الثلاثة قرون الأولى ...
- ومنها ما يفعله بعض ادعياء الجهاد....من انكارهم على اهل العلم –في زماننا- انهم لا يفهمون فقه الواقع وأنهم كل غرضهم حفظ العلم وتحفيظه للتلاميذ الذين هم بين أيديهم....

ولا شك أن هذا الامر يتناقض بشدة مع أمر النبي-ص-
بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم
ويتعارض وقول المولى –عزوجل- : (يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم)

فلا يجوز لك أيها المهندس أن تظن أن عملك في مجال الكمبيوتر ...هو الطريق لخدمة الاسلام..وتسفه من الدور الدعوي للطبيب....
ولا يجوز لك ايها الطبيب ان تعتقد أنك وحدك الذي ستتسبب في اصلاح حال الأمة..وتحتقر من قدر المدرس....
ولا يجوز لك أيها المجاهد في سبيل الله أن تعتقد أن طريقك هو الطريق الوحيد دون غيره لنصرة الدين...
وهكذا

ومن هذه المحاذير ..عقد الولاء والبراء على هذه الأعمال المتنوعة ...وتقديمه على الولاء والبراء الذي أتى في الشرع...
الذين هو الولاء لله ولرسول وللمؤمنين والبراء من الكفر والكافرين .....

فنجد بعض المدونين ينكر بشدة شديدة على الخطأ اليسير الذي يقع فيه مدون آخر يسير على منهج غير منهجه...
أما إذا فعل نفس الخطأ مدون آخر من نفس منهجه...فإنه يأخذه باللين....
ولا شك أن هذا خلل عظيم ...في التربية وفي فهم معنى الاخوة الاسلامية التي حصرها البعض فيمن ينتمون الى منهجهم أو إلى دعوتهم ...

انتهى النوع الأول من خلاف التنوع بين المسلمين....مختصرا بشدة وبتصرف من كتاب فقه الخلاف للشيخ ياسر برهامي