==================
في تاريخ البشر..هنالك دول قامت...وأمم بادت...وأقوام ما عاد لهم ولا لأسلافهم وجود...
وإمكانية الاستمرارية بالنسبة إلى فئة ما..تنتهج فكراً أو منهجا ما...إنما هو مرهون بأمرين ألا وهما :
القوة...(مبدأ القوة)..والحق (قوة المبدأ)...
وهما للاستمرارية لازمان..فإذا ما ذهب أحد هذين الأمرين..فإن هذا منذر بزوال أصحاب ذاك المنهج...أو تلك الفكرة...
وقرن الحق بالقوة..هو منهج قرآني...
فقد قال ربنا-سبحانه- :
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)...
والقوة هنا نكرة في سياق الكلام فتفيد العموم...
أي قوة كانت...قوة علمية.. قوة مادية...قوة سياسية شرعية...قوة اعلامية...الخ...
ولكن ينبغي أن يلاحظ هنا..أن هذا الأمر القرآني أول ما نزل..
إنما نزل على أقوام أصحاب منهج ..بمعنى (قوة المبدأ الذي يؤمنون به)...
فهم أساسا لم يؤمروا بالقتال..إلا بعد أن استوفوا جانب القوتين...
ألا وهما القوة المادية...وقوة المبدأ (أي االعقيدة)..
حينها كان الإذن الإلهي (أُذِنَ للذين يُقُاتَلون بأنهم ظلموا)
إذا أيها القراء الكرام..الأمر كان فيه تدرج..أو إن صح التعبير (شبه تدرج)
ومن أول يوم ...اجتمعت فيه القوتان معاً في الصحابة...
إلا وقد بدأوا بسرعة البرق في ترسيخ أركان دولتهم الاسلامية...وانطلقت الفتوحات تجوب الارض شمالا وجنوبا وشرقا وغربا...بدون السيف..و به أحيانا إذا لزم الأمر...
وما عرف عن الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين..أنهم فقدوا إحدى القوتين...
لذا فكانت لهم الاستمرارية والغلبة...وحققوا في عشر سنوات فقط دولة اسلامية قوية جدا.....
باتت تهدد ملك فارس في إيران والصليب في أوروبا....
ولكن إذا ما فقدت إحدى هاتين القوتين فإن الدولة قبل الفكرة –حتما ستزول-
فقوم عاد...كانت لهم قوة..إلا أن الحق لم يكن أبدا معهم
وقريش كذلك...كانت لديها قوة..ولا حق معها...
وحينما طرد الصليبيون المسلمين من بلادنا بلاد الأندلس (أسبانيا وجنوب فرنسا) ...
حينها كان مع أولئك المسلمين حق...إلا أنهم لم يكن لديهم قوة...
وربما لم يكن لديهم حق أيضا...بسبب كثرة الذنوب ..وعدم العمل الدؤوب من أجل الدين...
وفي أيامنا هذه عبر وآيات عن مبدأ القوة
ففي العراق...مجموعة قليلة من المجاهدين...معهم الحق...وبعض القوة...
أذلوا أعظم دولة في العالم...
لأن المعادلة أصبحت اليوم غير موزونة...
مجاهدين (معهم حق وقوة تحميه)...مقابل قوة كفرية كبيرة...معها قوة..بدون حق...
وفي غزة...كذلك..وكذا عند المجاهدين في القوقاز وأفغانستان...
إذا هذان المبدأن اللذان هما مبدأ القوة وقوة المبدأ.لابد من أحدهما للآخر...
السيارة تمتلك في نفسها أسباب الحق (وهو الموتور الذي يقوم بتشغيلها)..ولكن هذا الموتور يحتاج إلى قوة ..إلا وهي البنزين...
وكذا الحال مع جهاز الكمبيوتر...والكهرباء...
إذا...فمن ظن في يوم من الأيام أنه يمكنه أن يتعايش في وسط الذئاب دون أن يكون أسداً فهو واهم...أو جبانٌ جاهل...
فأنت أيها المسلم..تمتلك في نفسك قوة المبدأ...(ألا وهو الحق)..
إلا أنك ينقصك مبدأ القوة...حتى تسود على كلاب العالم الضالة التي أصبحت تجد من المسلمين فريسة يسهل اقتناصها...
فلوط –عليه السلام- كان معه حق...لكنه يعرف أن الحق بلا قوة تحميه ...يتعثر كثيرا...فتمنى أن تكون له قوة فقال ( لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد)
وعلى النقيض في سورة النمل –لما حكى القرآن قصة ملكة سبأ-
لما قال لها قومها
(نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد)....
رفضت استخدام القوة ضد سيدنا سليمان-عليه السلام- لأنه شعرت بأن هذا الرجل معه حق..وقوة...ولا شك أن هذا من تمام عقلها...إذ وعت هذا الجانب..
فلا تتركن حقا لخيفةِ قائلٍ....فإن الذي تخشى وتحذرُ حاصِلُ
لماذا ينتشر الاسلام في العالم بسرعة رهيبة....ذاك أن هذا الدين العظيم..يحمل أسباب القوة في نفسه....فهو (أي الاسلام...وليس المسلمين) يحمل السببين معاً...
ألا وهو أنه الحق...وأنه قوي... بذاته...
والقوة صفة مدح..خاصة إذا صاحبها إيمان...
-------------
لمحة تربوية:
بعد هذا الكلام النظري....أعتقد أن مثل هذا المواقف دائما ما يقابل الأباء والأمهات
(طفل صغير...يضرب ابنك)
فماذا تقول له ؟؟؟
إنك لو قلت لابنك إذا ضربك أحد فقل له (الله يسامحك) وتكررها عليه دائماً...
فإن هذا الابن سيشب ضعيف الشخصية...غير مقتنع بأن للعدل قوة...
ولكن...إذا حدث موقف مثل هذا فاتبع الآتي:
خذ ابنك وسر به إلى الطفل الصغير...وسله لماذا ضربه
وإذا تبين لك أن ابنك غير مخطئ...فقل للطفل الصغير إنني أستطيع أن أضربه لك...الآن...
ولكن ما رأيك أن تسامحه وتنال الثواب من الله يوم القيامة (وأنت تبتسم في وجهه)
أنا أقول لك : إن ابنك سيقول لك على الفور إني سامحته...
وبالتالي تكون قد غرست فيه مبدأ التسامح...وعلمته أن حسن خلقه ليس ضعفاً...
ولكن يمكنه أن ينتصر لنفسه بالقوة..والتسامح أفضل...
-------------